
في الصباح اخذت استعرض رسائل الواتس سريعا ودخلت كالعادة في حالة شقيقتي وياليتني لم استعرض الحالة وأقرأها فقد نشرت صورة لطفلة وفيها العبارة التالية (أسماء من الأيتام ماتت اليوم بأبرة خاطئة)، وتضيف: (طبعا هي يتيمة الأب والأم)، وتختم رسالتها المؤلمة بالقول: (من سيذود عنها، الله المستعان).
الرسالة آلمتني وأوجعت ضميري بل افجعتني وراسلتها سريعا مستفسرا عن الحدث بحكم أنها مهتمة كمتطوعة في الجانب المجتمعي الإنساني وتمتلك مركزا خيريا للدعم والإسناد (رغم أن أغلب أنشطته متوقفة بسبب الحرب) وتأخرت رسائلها إلى المساء خلال هذا الوقت كنت أشعر أني جريح ومصاب، مصاب في إنسانيتي؛ في أدميتي؛ في أحاسيسي، ولم تغب الطفلة المغدورة عن خيالي لحظة واحدة، وكلما حاولت نسيانها تخيلتها تناديني بصوتها الواهن الضعيف ونظراتها المنكسرة وسرعة انخراطها في البكاء بسبب قسوة كل ما حولها، كنت اتخيلها بهشاشتها من الداخل مكسورة من جميع الجوانب والجهات، وتذكرت الطفلة اليتيمة المريضة بداء السكر عبير ورغم انها أصغر إخوانها إلا أنهم يعاملونها بعنف وقسوة قد تصل إلى استخدام الضرب؛ يوم أن وجدت أمها الطاعنة في السن وسألتها عن أحوالهم، فقالت لي ودموعها تسابق كلماتها: عبير ماتت، فصدمت من ردها ولم أتخيل أن يأخذ الموت طفلة صغيرة، وشعرت بالوجع والغصة في حلقي لم استطع ابتلاعها أو بصقها، وهكذا هم الأيتام وخاصة المصابين بالأدواء سرعان ما يسقطون صرعى سريعا نظرا لفقد من يرعاهم.
الطفلة (أسيا قحا) طفلة لأسرة مكونة من احد عشر أخ تقطن في منطقة الحتارش من بلاد بني حشيش بمحافظة صنعاء، توفي والدها سائق الدراجة النارية قبل سبع سنوات أثر حادث مروري على طريق محافظة عمران تاركا وراءه زوجتان، أم أسيا تزوجت وتركت أبنائها الأربعة لدى خالتهم زوجة الأب الأولى، الطفلة اليتيمة لايزيد عمرها عن الرابعة عشرة، وبسبب إصابتها بصمامات القلب ونظرا لفقر وعوز الأسرة الشديد ورغم أنها طفلة كنت تذهب لأحضار أدويتها بمعية أخيها الصغير، في يوم الإثنين الأول من شهر ذى القعدة الموافق 22 يونيو من العام الحالي 2020م ذهبت مع أخيها الصغير لتضرب أبرة الروماتيزم الشهرية، وبعد ضرب الأبرة أغمى عليها ولم ينفع تجمع الناس حولها إذ أن القدر لم يسعفها، وماتت الطفلة وليس معها إلا أخوها الصغير المذهول، وحضرت سيارة الشرطة الذين أصروا على فتح باب التحقيق ووضع البنت فى الثلاجة، لكن الأسرة رفضت فتح تحقيق بحجة ما فيهم للهدرة والقيل والقال والشوشرة؛ لكن السبب الحقيقي لصنيعهم هو الفقر والحاجة، ولكم أن تتخيلوا الملهاة في ان همّ أسرة الميت ينصرف تجاه الكفن وأدوات الموت كيف؟ ومن أين يحصلون عليها؟ بينما الميت موجود ومن أهل البيت، ودفنت البنت وأغلقت القضية؛ وحتى الآن لم تعلم الأسرة حتى ما نوع الأبرة التي ضُربت لها مسببة وفاتها.
أنا ومن يشاركني قراءة هذه الوريقات مطعونين بك يا أسماء فأنا أشعر أن كل خلية من جسدي تبكيك، وأكتب الأن عنك والنوم يجافيني رغم أن الشمس بزغت معلنة الشروق، أشعر أنك ابنتي التي لم أنجبها، ومعزتك في سويداء قلبي على غرار بناتي، فعذرا أسماء فأنتي إسم بين آلاف الأسماء من الأيتام، شاءت إرادة المولى أن يتواجدوا خلال مرحلة من أسواء المراحل التي مرت على اليمن، في غابة تعج بالحيوانات البشرية المتصارعة وبلا إستثناء، لاتعنيهم سوى أنفسهم وأطفالهم وقد يتخلون عنهم أحيانا بسبب الوضع الاستثنائي، والمغدورة وأمثالها بالنسبة لهم ليست سوى كائن يشغل حيزا من الفراغ ليس له ماضي أو حاضر أو مستقبل سرعان مايسقط بفعل الأحداث آجلا أو عاجلا.
رحمك الله يا ابنتي وجعلك فى عليين، وجعل ما أبتليت به راحة لك عند مليك مقتدر.
عبدالعزيز العرشاني
+967711006944
alershani@gmail.
com